سورة الشورى - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
قرئ: {قنطوا} بفتح النون وكسرها {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} أي: بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب.
وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له: اشتدّ القحط وقنط الناس فقال: مطروا إذاً أراد هذه الآية. ويجوز أن يريد رحمته في كل شيء، كأنه قال: ينزل الرحمة التي هي الغيث، وينشر غيرها من رحمته الواسعة {الولى} الذي يتولى عباده بإحسانه {الحميد} المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته.


{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)}
{وَمَا بَثَّ} يجوز أن يكون مرفوعاً ومجروراً يحمل على المضاف إليه أو المضاف.
فإن قلت: لم جاز {فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ} والدواب في الأرض وحدها؟ قلت: يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبساً ببعضه، كما يقال: بنو تميم فيهم شاعر مجيد أو شجاع بطل، وإنما هو في فخذ من أفخاذهم أو فصيلة من فصائلهم، وبنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعلوا نويس منهم. ومنه قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وإنما يخرج من الملح، ويجوز أن يكون للملائكة عليهم السلام مشي مع الطيران. فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسي. ولا يبعد أن يخلق في السموات حيواناً يمشي فيها مشي الأناسي على الأرض، سبحان الذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق. {إِذَا} ومنه يدخل على المضارع كما يدخل على الماضي قال الله تعالى: {واليل إِذَا يغشى} [الليل: 1] {إِذَا يَشَآءُ} وقال الشاعر:
وَإِذَا مَا أَشَاءُ أَبْعَثُ مِنْهَا *** آخِرَ اللَّيْلِ نَاشِطاً مَذْعُورَا


{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)}
في مصاحف أهل العراق {فَبِمَا كَسَبَتْ} بإثبات الفاء على تضمين (ما) معنى الشرط. وفي مصاحف أهل المدينة {بِمَا كَسَبَتْ} بغير فاء، على أنّ (ما) مبتدأة، وبما كسبت: خبرها من غير تضمين معنى الشرط. والآية مخصوصة بالمجرمين ولا يمتنع أن يستوفي الله بعض عقاب المجرم ويعفو عن بعض. فأمّا من لا جرم له كالأنبياء والأطفال والمجانين، فهؤلاء إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره فللعوض الموفى والمصلحة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفو الله عنه أكثر» وعن بعضهم: من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه. وأنّ ما عفا عنه مولاه أكثر: كان قليل النظر في إحسان ربه إليه.
وعن آخر: العبد ملازم للجنايات في كل أوان؛ وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه، لأنّ جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه، والله يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أوّل خطوة، وعن علي رضي الله عنه وقد رفعه: «من عفي عنه في الدنيا عفي عنه في الآخرة ومن عوقب في الدنيا لم تثن عليه العقوبة في الآخرة» وعنه رضي الله عنه: هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن {بِمُعْجِزِينَ} بفائتين ما قضي عليكم من المصائب {مِن وَلِىٍّ} من متول بالرحمة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11